الحمد لله غافر الذنب وقابل التوب ، الحمد لله الذي وسعت رحمته كل شيء والصلاة والسلام على نبي الرحمة .
أما بعد ، فإن من توفيق الله لنا أن يهدينا إلى صراطه المستقيم فنعيشُ بين الطاعاتِ والحسنات ونجني ثمارَ ذلك في الدنيا والآخرة .
ولكن بشريةَ الإنسان وفطرتَه تأبى إلا أن يقعَ الواحدُ منا في الذنبِ بين وقتٍ وآخر؛ لأن الخطأ من طبيعته .
ونبينا آدم عليه السلام وقع في الخطأ وهو أبونا ، وفي الحديث " كل بني آدم خطاء وخيرُ الخطآين التوابون " رواه الترمذي بسند صحيح.
وفي الحديث " لو لم تذنبوا لذهب الله بكم ولجاء بقوم آخرين يذنبون فيستغفرون فيغفر الله لهم " رواه مسلم .
أيها الفضلاء ، ومع تقرير ماسبق وأننا لسنا معصومين من الذنب إلا أننا لابدَ أن نعلم أننا يُمكننا تقليلَ الذنوب والابتعادَ عنها حينما نبتعدُ عن أسبابها .
وذلك لأن لكل شيء سبب ، ولايختلفُ اثنان في أن الذنوب لها مقدمات تدعو لها ، فمن أرادَ ترك الذنوب فليبعتد عن أسبابها ليسلمَ من الذنوبِ وينجو من عواقبها .
عباد الله ، اعلموا رحمكم الله أن الذنوبَ لها أضرارٌ وعواقبَ على الشخصِ في نفسهِ ودينهِ وأسرتهِ ومالهِ ، ولها أضرار عند موتك ، وفي قبرك ، ويوم تلقى الله ، وكلما تذكر العبدُ ذلك كلما شعرَ بضرورةِ البعدِ عن الذنوب .
فمن أضرار الذنوب على النفس : الضيقُ والهمّ الذي يشعر به أولئك المعرضونَ عن الله والذين يعيشون في أوحالِ الذنوب والشهوات .
قال تعالى : " ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشةً ضنكاً " .
كم هي حالات القلق التي يعيشها أولئك المعرضون وكم سمعنا من حالات الانتحار لدى تلك الفئة ؟ إنه الشقاء حينما تبتعد عن أنوار الله وهداياته .
ومن أضرار الذنوب على أسرتك : أنها توقعُ الخلافات بينك وبين زوجتك وتضعف الحبَ بينكما ، يقول تعالى " وما أصابكم من مصيبةٍ فبما كسبت أيديكم ".
أيها الزوج لعل كثرةَ المشكلات سببها ذنبٌ بينك وبين الله ، فهل فكرت في ذلك ؟ قال بعض السلف : إني لأعصي الله فأرى ذلك في خلق زوجتي .
ومن أضرار الذنوب على مالك : أنها تمحق بركته وربما أذهبته كله في حادث أو حريق ونحو ذلك ، قال تعالى: " يمحق الله الربا " ، وفي الحديث : " إن الرجلَ ليُحرمَ الرزق بالذنبِ يصيبه ".
ومن أضرار الذنوب عند الموت : أنها ربما كانت سبباً لسوء الخاتمة عياذاً بالله ، وكم سمعنا من قصصٍ عجيبةٍ لبعض الأموات الذين كانوا يفعلون الكبائر والموبقات .
ومن أضرار الذنوب في القبر : أنها ربما كانت سبباً لعذاب القبر ، وكلكم يعلم بالأحاديث التي جاء فيها استعاذةُ النبيِ صلى الله عليه وسلم من عذابِ القبر .
ومن الأحاديث العجيبة : أن الرسول صلى الله عليه وسلم مرَّ على قبرين دفنا في زمنه ، وقال إنها ليعذبان ومايعذبان في كبير ، أما أحدهما فكان يمشي بالنميمة وفي رواية بالغيبة وأما الآخر فكان لايستنزه من بوله ، أي لايتنظف منه .
وهنا اسأل : هل تذكر ذلك الذي يغتابُ الآخرين أنه ربما يعاقبَه الله في قبره ؟ والله لو تذكر ذلك لتوقف عن الغيبة ولكنه غافلٌ عن خطر الذنوب وآثارها عليه في حياته وبعد مماته .
أيها الفضلاء ، اعلموا أن من الرسائل التربويةِ المهمة ، أن نتعامل مع صاحب الذنب بالرحمة والرفق ، وأن نعلم بأن الواحد منا ليس بمعصوم وأن المخطئ بحاجة إلى أن نساعده في التخلص من تلك المعاصي وأن لانتعامل معه بالقسوة حتى لانخسره.
وتأموا هذا الحديث : كان هناك رجل يشرب الخمر باستمرار في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وكان يقيم عليه الحد بالجلد ، فمرةً جيء به وبدأوا في إقامة الحد عليه . فقال رجل : لعنه الله ما أكثر مايؤتى به ، فسمعه الرسول صلى الله عليه وسلم فعاتبه وقال : لا تلعنه فإنه يحب الله ورسوله . رواه البخاري .
فانظر كيف نهاه الرسول صلى الله عليه وسلم عن لعنه ، وتأمل كيف أثبت له محبة الله ورسىوله مع أنه شارب خمر .
فوصيتي لكم ، رفقاً بإخوانكم ممن يقع في تلك الذنوب ، وتلطفوا بهم ، فلعل الله أن يأتي بهم ويتوب عليهم .
ولاتكن يا أخي ممن يفضخ أخيه حينما يقع في الذنب أو ينشر خبره بين الزملاء وفي صحيح مسلم ( من ستر مسلماً ستره الله في الدنيا والآخرة )، ومع ذلك فإننا ندعوك لنصيحته بالتي هي أحسن .
ومن الرسائل التربوية في التعامل مع المذنبين : الدعاءُ لهم بالهداية وليسَ الدعاءُ عليهم ، وهنا نقف على موقفٍ عجيب في حياة إبراهيم عليه الصلاة والسلام حيث قال في دعاءه " ومن عصاني فإنك غفور رحيم " ولم يقل ومن عصاني فانتقم منه .
وفي الحديث أن رجلاً جاء إلى الرسول صلى الله عليه وسلم وقال إن دوساً طغت فادع الله عليها ، ودوس قبيلة من قبائل ، فماذا فعل الرسول صلى الله عليه وسلم صاحب القلب الرحيم ؟ لقد رفع يديه وقال : اللهم اهد دوساً .
رواه مسلم .
إنه موقفُ الرحمة والدعاءُ للمذنبين ، إنه خلقُ الأنبياء عليهم الصلاة والسلام .
اللهم يامقلبَ القلوب ثبت قلوبنا على دينك .
-------------
الحمد لله .
عباد الله ، وبعدما علمنا بتلك العقوبات التي رتبها الله على إدمان الذنوب ، فيجب أن نعلم أن بابَ التوبةِ مفتوح ، وأن اللهَ يقبلُ التوبة ويعفو عن السيئات .
وأن العبد مهما فعل فإن الله يغفرُ له إذا تاب بصدق ، بل حتى الكافر لو صدق مع الله في إسلامه لوجد من الله الغفران .
" قل للذين كفروا إن ينتهوا يغفر لهم ماقد سلف " .
" قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لاتقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعاً إنه هو الغفور الرحيم " .
سبحانك يارب ، تبسطُ يدك بالليل ليتوبَ مسيءُ النهار وتبسطُ يدك بالنهار ليتوبَ مسيءُ الليل .
يا ابن ادم إنك مادعوتني ورجوتني غفرتُ لك على ماكان منك ولا أبالي ، يا ابن ادم لو بلغت ذنوبك عنان السماء ثم استغفرتني غفرتُ لك على ماكان منك ولا أبالي .
يا ابن ادم لو أتيتني بقراب الأرض خطايا ثم لقيتني لاتشرك بي شيئاً لأتيتك بقرابها مغفرة .
من أقبل إلى الله تلقاه من بعيد ، ومن أعرض عن الله ناداه من قريب ، ومن ترك لإجله أعطاه فوق المزيد ، ومن أراد رضاه أراد ما يريد ، ومن تصرف بحوله وقوته ألان له الحديد .
السيئة عنده بواحدة ومصيرها للعفو والغفران ، والحسنة عنده مضاعفة بلا عدد ولا حسبان .
إنه الله العفو الغفار، إنه الله الذي يقبل التوبة .
اللهم تب علينا أجمعين ، اللهم جازنا بالحسنات إحساناً وبالسيئات عفواً وغفراناً .
اللهم أصلح أحوال المسلمين وردهم إليك رداً جميلاً .
اللهم اغفر لنا ماقدمنا وما أخرنا وما أسررنا وما أعلنا .
اللهم وفق ولي أمرنا لهداك واجعل عمله في رضاك .
سبحان ربك رب العزة عما يصفون ، وسلام على المرسلين ، والحمد لله رب العالمين .
مكتبة الصوتيات
قواعد في الأسماء والصفات
0:00
تأملات في سورة الواقعة - 3
0:00
قلبك.. ماذا فيه ؟!
0:00
تأملات في سورة المطففين
0:00
سفيان الثوري
0:00
عدد الزوار
7175467
إحصائيات |
مجموع الكتب : ( 44 ) كتاب |
مجموع الأقسام : ( 93 ) قسم |
مجموع المقالات : ( 1698 ) مقال |
مجموع الصوتيات : ( 992 ) مادة |
